تقنيات البناء بالمواد الطبيعية المتنوعة

تقنيات البناء بالمواد الطبيعية المتنوعة

ليلي | نهاري

ملاحظات :

  1. بعض المصطلحات العربية المستخدمة، هي اجتهادات شخصية للترجمة من الانجليزية والفرنسية، فأكثر قراءاتي تكون بهاتين اللغتين نظرًا لشح المصادر العربية.
  2. عندما يتم الإشارة إلى التربة الطينية، فالمقصود بها التربة المحتوية على الطين كأحد مكوناتها على اختلاف النسب، حيث لا يتم البناء بمادة الطين الخالصة إلا بخلطها.
  3. هذا المقال عبارة عن ملمح عام لهذه التقنيات، وسأفرد قريبًا مقالًا خاصًا بكل تقنية من التقنيات المهمة، ومعيار هذه الأهمية هو مدى ملاءمتها لبيئتنا.
  4. هذه التقنيات ليس الوحيدة الموجودة، ولكن حصرت منها ما هو أقرب إلى طبيعتنا والمواد المحلية المتاحة، أو ما تم استخدامه بالفعل في ليبيا، فمثلًا استثني التقنيات المعتمدة بشكل أساسي على الخشب، ذلك أشبه بالاهتمام بتقنية البناء بالثلج.

الطوب الطيني Adobe:

يرجع أصل تسمية هذه التقنية Adobe كما يقول البُحاث إلى الحضارة الفرعونية حيث وجدت الكلمة بالهيروغلوفية Dbt والتي أعاد استخدامها الأقباط بعد أن تحورت لتصبح "الطوب" .. حيث أدوب == الطوب. وتقوم فكرة هذه التقنية على استخدام التربة الطينية بعد ترطيبها وعجنها إلى حالة شبه سائلة وخلطها مع التبن ثم تشكيلها داخل قوالب خشبية تزال مباشرة ويترك الطوب ليجف بشكل طبيعي تحت الشمس لعدة أيام. اشتهرت هذه التقنية المنتشرة بشكل واسع حول العالم في ليبيا بمدينة غدامس وفي بعض المناطق الأخرى جنوب ليبيا .

لماذا تم تطوير هذه التقنية ولمن هي مناسبة؟ هناك أنواع من التربة الطينية تحتوي على نسب عالية من الطين المتمدد Expansive Clay، والذي من خصائصه ازدياد حجمه عند امتصاص المياه وانكماشه عند فقدانه، هذه الظاهرة تؤدي إلى حدوث انكماشات وتشققات قد تكون عميقة عند استخدام الطين في البناء مباشرة ما أن تفقد التربة مياهها وتؤدي إلى إضعاف البناء، لهذا فإن وضع هذه التربة الطينية في قوالب صغيرة الحجم هو سعي للتحكم في عملية الانكماش والتشقق خارج البناء، بحيث يسمح للطوب بالانكماش في حجمه بشكل محكوم، ثم يستخدم في المبنى بعد أن يتوقف عن الانكماش. إضافة التبن إلى العجنة يساهم في تماسك الطوب داخليًا وتقليل أو حتى التخلص نهائيًا من التشققات. ولربط الطوب بعضه ببعض أثناء عملية البناء يتم استخدام المونة الطينية، وهي عجنة مصنوعة من نفس خليط الطوب مع التبن أو من دونه،

هذه التقنية، أوجدت مميزات إضافية، منها تسهيل عملية البناء، حيث يسهل نقل الطوب داخل منطقة البناء، أو تصنيعها في أماكن بعيدة عن مكان البناء ونقلها إليه.

الطوب الطيني عند الفراعنة

الصورة: صناعة الطوب الطيني عند الفراعنة

تصنيع الطوب الطيني

الصورة: عملية تصنيع الطوب الطيني

البناء بالطوب الطيني في مدينة غدامس

الصورة: البناء بالطوب الطيني في مدينة غدامس

عملية انكماش التربة الطينية التي تحتوي على Expnasive Clay

الصورة(من تصويري): عملية انكماش التربة الطينية التي تحتوي على نوع الطين المتمدد بعد تبخر المياه منه Expansive Clay

Cob  (قِطع العجين):

لم أجد ترجمة عربية متداولة لهذه التقنية، ولكن كلمة Cob تعني القطع على هيئة رغيف الخبز الصغير (بانيني)، فهذه التقنية لا تحتاج أي أدوات أو قوالب أو تجهيزات مسبقة خاصة، وإنما هي عملية بناء تشبه التشكيل بالطين لدى الخزفيين. وكان الناس قديمًا يقومون بعجن التربة الطينية مع التبن بالأقدام أو باستخدام الحيوانات ( وبالآلات حديثًا ) ومن ثم تشكيلها إلى قطع صغيرة يقوم أحد العاملين برميها إلى عامل البناء الذي يقوم برصها إلى جانب بعضها ثم فوق بعضها، لتشكيل شكل المبنى. هذه التقنية غالبًا ما استخدمت مع وجود ال Boots & Hats التي تم الحديث عنها في النقطة السابقة، فأغلب انتشارها كان في أوروبا حيث يضعون اعتبارًا جديًا للأمطار والفيضانات، وأيضًا لظاهرة التجمد تحت مستوى الأرض Frost line.

هذه التقنية تناسب المناطق التي تحتوي على تربة طينية ذات نسبة طين عالية غير متمددة Non Expansive Clay، وذات نسبة انكماش بسيطة. ونقاط قوة هذه التقنية والتي تتفوق بها عن سابقتها هو أن البناء النهائي يكون عادة من كتلة واحدة موحدة Monilithic غير منفصلة الأجزاء، الأمر الذي يعطيها قوة لتحمل الزلازل بدرجة أعلى من مباني الطوب الطيني، ولأن هذه التقنية تشبه عملية التشكيل بالطين، فقد تميزت أيضًا بأشكالها الفنية والغريبة، حيث يسهل بها بناء الحوائط المنحنية والمتعرجة والأقواس، ونحتها لتشكيل الأرفف والدواليب الحائطية. ولكن هذه التقنية بالمقابل تعتبر نسبيًا أكثر بطءا من ناحية سرعة الإنجاز، كما أن على عامل البناء التوقف كلما ارتفع ببنائه ارتفاع 30 سم ليعطي فرصة للطبقة العليا أن تتصلب والمقدرة على تحمل مزيدًا من الوزن، مدة الانتظار تبدأ من يوم إلى يومان في المناطق الحارة وقد تصل إلى أسبوع في المناطق الباردة والممطرة.

هذه التقنية كما هو حال تقنية الطوب الطيني تحافظ على كامل خصائص التربة الطينية من حيث قدرتها على تكييف البيئة داخل البناء والحفاظ على نسبة رطوبة مناسبة بسبب مساميتها العالية.

البناء بتقنية ال Cob

الصورة: بناء بتقنية ال Cob

البناء بتقنية ال cob

الصورة: أثناء عملية البناء بتقنية ال Cob

إحدى تجاربي غير المكتملة باستخدام تقنية cob

إحدى تجاربي غير المكتملة باستخدام تقنية cob

التربة المدكوكة أو المكبوسة (ضرب الباب) Rammed Earth:

انتشرت هذه الطريقة في مناطق كثيرة حول العالم، وأيضًا في مدينة طرابلس الليبية، ولعل أشهر منطقة اشتهرت باستخدامها هي فرنسا، وتسمى pisé de terre، حيث تقوم فكرة هذه التقنية، بإنشاء قوالب خشبية متينة تأخذ شكل حوائط المبنى، ويتم وضع التربة الطينية داخل هذه القوالب ومن ثم يتم دكها وضغطها بمجموعة من الأدوات لزيادة كثافتها إلى مرحلة التصلب التام، هذه التربة في أحيان كثيرة كان يتم إضافة بعض المواد المثبتة إليها مثل الجير بسبب ضعف نسبة الطين. وبعد ملء تلك القوالب، يتم إزالتها ومن ثم رفعها إلى مستوى أعلى لإكمال باقي ارتفاع المبنى.

نشأت هذه التقنية في المناطق التي تتمتع بتربة ذات نسبة طين ضعيفة، ولهذا يتم تعويض ضعف تماسك هذه التربة بالدك والضغط، وباستخدام المواد المثبتة كالجير.

تعتبر هذه التقنية من أصعب التقنيات في التنفيذ، وتحتاج إلى خبرة مسبقة، وتجهيز القوالب الخشبية وجعلها ثابتة وذات قدرة لتحمل الضغط يحتاج إلى وقت طويل نسبيًا.

هذه التقنية انتجت خصائص خاصة بها تختلف عن تقنية الطوب الطيني وال Cob، حيث أن تقارب حبيبات التربة المضغوطة تقلل من مسامية هذه الحوائط وكان لهذا بعض الآثار: منها قدرة أعلى على تحمل عوامل التعرية وخاصة تأثير المياه، وأيضًا قدرة على تحمل ضغط الشد الأفقي الناتج عن الزلازل، وهذه المباني المبنية بهذه التقنية هي الأفضل أداء في الزلازل مقارنة بسابقاتها من المباني. ولكن فقدان هذه المسامية يقوم أيضًا بتقليل نسبة الرطوبة التي تستطيع العبور من وإلى الحوائط الأمر الذي أفقد هذه الأبنية خاصية من خصائص التكييف الطبيعي وهو التحكم في مستوى الرطوبة داخل البناء والحفاظ على مستوى مريح.

نموذج بناء حديث بتقنية ضرب الباب

الصورة: نموذج بناء حديث بتقنية ضرب الباب

القوالب الخشبية لبناء الحوائط بضرب الباب

الصورة: الإطار الخشبي الذي تتم عملية الكبس بداخله

الحجارة Stone:

هي من الطرق التقليدية المعروفة، والتي تحتاج إلى مجهود كبير، ويتم البناء بها من خلالها رصها في مداميك باستخدام المواد الرابطة كمونة الطين أو الجير، أو بالطريقة الجافة، أي تثبيتها دون مونة، وقد يتم استخدام هذه التقنية في أجزاء من المباني الطينية، حيث تبنى الأساسات والقواعد وإطارات الأبواب والنوافذ بها. وهذه الحجارة يمكن أن تكون مصقولة بحيث مستوية الأسطح أو/و الأبعاد، أو غير مصقولة محافظة على عشوائيتها. من أنواع الحجارة التي استطاعت أن تلحق بركب البناء الحديث بشكل واسع الحجر الجيري الكلسي (كربونات الكالسيوم) أو ما يعرف لدينا بالـ "بلوك".

إحدى تجاربي في البناء الطوب الجيري - بئر ابوجناح

الصورة: إحدى تجاربي في البناء بالطوب الجيري والطين - بئر ابوجناح

Wattle and Daub التعريشة المجصصة:

هذه التقنية لا تستخدم عادة في بناء الحوائط الحاملة، وإنما تستخدم في بناء الفواصل بين الغرف، حيث تم بناء تعريشة خشبية رفيعة ويتم تغطيتها بالطين لينتج ما يشبه الحائط.

تقنية wattle and daub

الصورة: تقنية wattle and daub

الصورة: تقنية wattle and daub

الصورة: تقنية wattle and daub

تم لاحقًا تطوير بعض التقنيات القديمة لتتحول إلى تقنيات بناء طبيعية أو نصف طبيعية حديثة ومنها:

Poured Earth الطين المصبوب:

البناء بهذه الطريقة يشبه البناء بالخرسانة، حيث يتم يتم خلط التربة الطينية ذات نسب الطين البسيطة مع كمية محدودة من الاسمنت، وتعجن إلى حالة شبه سائلة، يتم صبها في قوالب تأخذ شكل الحوائط.

Compressed Earth Blocks قوالب الطين المضغوط:

هذه التقنية مستوحاة من تقنية ضرب الباب Rammed earth، ولكن بدلًا من بناء قوالب ضخمة على شكل حوائط، تم ابتكار آلات يدوية وميكانيكية تقوم بانتاج الطوب المدكوك أو المضغوط صغير الحجم، ويتم استخدامها كما يتم استخدام الطوب الاسمنتي في البناء.

Earth bag أكياس التربة:

تم تطوير فكرة ال Cob والطوب الطيني بحيث يتم ملء أكياس مصنوعة من مادة البوليبروبيلين، بالتربة الطينية أو التربة الرملية، ويتم ربط هذه الأكياس ببعضها بالأحبال الشائكة، وكانت الهدف من هذه التقنية تسريع عملية البناء وأيضًا حماية التربة من عوامل التعرية، ويقال أن أداء هذه الطريقة في المناطق الزلزالية جيد.

كتب: أحمد زبيدة
يوم الأربعاء 10 مايو 2017